الجودة في التعليم لقد اهتم العالم المتقدم بالتعليم، اهتمامًا[/size] بارزًا ومتميزًا، ولنا في التجربة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، المثل الأصدق، حيث قدمت الدولة الجديدة للتعليم وأدواته ورجاله ومستلزماته كل الدعم والإسناد، بوصفه المحطة الأساس في حياة الفرد للعبور نحو التقدم والتطور·وشمل الدعم والإسناد كل البنى التحتية للعملية التعليمية ابتداء من التلميذ ورعايته صحيًا وبدنيًا ونفسيًا، وقيافته وهندامه، واحتياجاته المدرسية، وصولاً إلى المدرس وأجوره المجزية جدًا، مع الرعاية الخاصة لجميع مستلزمات حياته، مرورًا بمستلزمات العملية التعليمية، وما تنطوي عليه من وسائل إيضاح وأثاث ووسائل نقل وغيرها· والأهم من هذا، خضعت المناهج التعليمية والمفردات الدراسية إلى برامج تجديد مستمرة لتواكب التقدم والتطور المستمرين، فضلاً عن القفزة النوعية في طرائق التدريس، إذ أصبح المفهوم التقليدي للتعليم والتدريس ونظام الامتحانات والاختبارات جزءًا من الماضي، حيث أدخلت الطرائق الجديدة التي تعتمد أسلوب الإبداع والابتكار في طرح المفاهيم التعليمية ·ومع توافر مختبرات التجارب والمدن العلمية المصغرة والمكتبات وساحات الرياضة البدنية، وبرامج التدريب المستمرة وتأكيد الجوانب العملية والتطبيقية في التعليم، أصبحت المدارس على اختلاف مستوياتها الابتدائية والإعدادية والثانوية، عبارة عن جامعات مصغرة، لا يبرحها التلميذ إلا وهو متسلح بأدوات العلم والمعرفة على أعلى المستويات في الجودة والإتقان، خصوصًا توجيه التلاميذ ومنذ نهاية المرحلة الابتدائية إلى أسلوب التفكير العلمي السليم، والبحث العلمي الجاد مع تعزيز قدرات العقل النقدي المتفتح لدى هؤلاء التلاميذ·ولتحقيق الجودة في نظامنا التعليمي والتربوي نقترح الحلول التالية:- توفير الإمكانات والمستلزمات الضرورية والأساسية للمعلم على مختلف المستويات (ابتدائي، ثانوي، جامعي) وجعله سعيدًا وفخورًا بمهنته الشريفة، لا أن تكون مهنته عبئًا عليه، مع التدريب المستمر للمعلم على أحدث الثقافات والمعارف· فضلاً عن ذلك، لا بد من تقديم الرعاية الحقيقية للتلميذ أو الطالب، وجعله سعيدًا وفخورًا بمدرسته ومدرسيه، وفسح المجال أمامه للتدريب والانتقال بالمدرسة من بناية ذات قاعات مغلقة وساعات محددة جامدة إلى المدرسة المفتوحة التي يستطيع الطالب فيها أن يعبر عما في دواخله بحرية وانفتاح ومرونة· - لا يمكن للجودة أن تتحقق في التعليم إلا من خلال تأسيس المنهج الفكري السليم الذي تسير عليه هذه العملية التعليمية، التي تضمن إضافة للعلوم والمعارف التي يتلقاها الطالب، منظومات القيم الأخلاقية، ونظم العلاقات الإنسانية، ووسائل الاتصال المتطورة وغيرها من الصيرورات التي تجعل من حياة الطالب في المدرسة متعة ولذة، فضلاً عن المادة العلمية التي يتلقاها· ومن أهم أسس المنهج الفكري السليم لتحقيق الجودة في التعليم، صياغة المناهج وفق أسلوب النظرية الجشطالينة ـ أي الصيغة أو الشكل ـ والتي استفادت من الظاهرانية كثيرًا، ومن خلال طبيعة العلاقة التكاملية والتضامنية بين الذات والموضوع وكما بشر بها الفيلسوف هورل·
إن نظرية الشكل، تصلح لصياغة كل مناهج التعليم على اختلاف أنواعها ومراحلها، لأنها تعتمد الخبرة الشخصية للفرد، وتعول عليها، إضافة للنظرة المعمقة للكل بوصفه أكبر من مجموع الأجزاء· لقد حاولت نظم التعليم في الوطن العربي الاستفادة من هذه النظرية في الصفوف الأولى والثانية من المدارس الابتدائية، لكنها لم تستفد كثيرًا بالنسبة للمراحل التعليمية الأخرى، بل على العكس، ظل التعليم روتينيًا وتقليديًا وخاليًا من أساليب التفكير الإبداعي والابتكاري، والتي تعتبر اليوم أساس البناء المتطور في العملية التعليمية وصولاً إلى الجودة·الجودة في المعرفةعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه التربويين والمفكرين في وطننا العربي بتحديد المادة المعرفية وتسميتها على أنها الأجود والأفضل، تبقى الجودة في المعرفة مرتبطة بشكل أساس بمستوى الوعي لدى الناس· فكلما تطور التعليم باتجاه الأجود، أصبحت العقول التي تكتسب الأفكار والعلوم والمعارف أكثرمرونة وانفتاحًا· وهي بدورها، عندما تكون على هذا المستوى من الرحابة والتفتح، تصبح أكثر انجذابًا وتفاعلاً مع المعرفة الجيدة أيًا كان منبعها وجذورها وأصلها· إن إشكالية العقل العربي اليوم، أنه يضع الأحكام ويكيل التهم الباطلة أحيانًا على العديد من المعارف، مدعيًا أنها معارف باطلة أحيانًا، أو مسمومة أحيانًا أخرى حتى أصبح مفهوم "الغزو الثقافي" أو "الاختراق المعرفي" حاضرًا في العديد من الخطب والكلمات والمقالات والبرامج الإذاعية والتلفزية، إذ يتسابق بعض الكتاب إلى الحديث عن العولمة مثلاً، مصورًا إياها بالبشاعة والمؤامرة والاختراق والتحدي· وطبعًا هناك من يصغي ويتعلم ويردد ببغاويًا دون أن يفهم بجدارة وحذاقة المعنى الحقيقي للعولمة الثقافية والفكرية· إن عولمة المعرفة مع الاحتفاظ بخصوصيتنا بوصفنا عربًا ومسلمين· تجعلنا نختار الأفضل والأجود والأحسن في عالم مليء بالسيئ والباطل· ولكن متى نفتح الباب على مصراعيه لهذا النوع من العولمة؟؟ نستطيع أن نجازف بهذا المشروع الفكري الحضاري فقط، عندما يزداد وعينا، وتتقوى معارفنا، ويصبح تعليمنا جيدًا وحرًا ومبدعًا، حيث المرونة والانفتاح في التعبير عن الرأي من ناحية واحترام الرأي الآخر من ناحية أخرى· وبهذا نستطيع أن نبدأ الخطوات الأولى على طريق الجودة في التعليم والمعرفة من أجل غد أفضل وحياة أجمل