من هم ضحايا التعليم ؟

ننا نتحدث عن تدني مستوى التعليم لدى ناشئتنا
ولكن بالمقارنة مع ماذا؟
- فهل تناولنا لهذه الظاهرة يتبنى الاتجاه الأفقي للتحليل،ويقارن تعليم
بلادنا مع احد أو باقي دول المعمور؟ وهذا الطرح لا يخضع لأبسط شروط
المقارنة . لسبب بسيط هو انعدام توفر نفس الشروط الذاتية والموضوعية
(اختلاف الثقافات والسياسات والأنظمة الاقتصادية والمؤهلات الطبيعية
والأهداف المتوخاة من هذا التعليم أو ذاك ووو....
أم أن تناولنا
للظاهرة يتبنى اتجاها رأسيا ذا طابع زمني.بحيث يتأتى لنا اذ ذاك أن نقارن
بين تعليم الطفل المغربي قبل وبعد الاستقلال. وتطور التعليم ببلدنا الى أن
وصل به الحال الى ما وصل اليه الآن ؟
ومن هذا المنطلق الأخير أرى أن
المقارنة تتيسر شيئا ما، بحيث نواكب التطورات الحاصلة على جميع المستويات
المؤثرة في القطاع التعليمي،انطلاقا من البرامج الاصلاحية الخاصة بهذا
القطاع ووصولا الى الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهلم جرا...
وأبسط ما يمكن الحديث عنه في هذه العجالة،هو التغييرات المتتالية التي
طالت البرامج الدراسية.والتى لم تكن تساير خصوصيات الانسان المغربي وظروفه
المعيشية وأهدافه وتطلعاته وفلسفته في الحياة بقدر ما كانت تساير أهداف
وتطلعات أمم أخرى ما أغربها عنا في كل النواحي.
فكانت النتائج كارثية
راح ضحيتها شعب بأكمله وحمل(حمل مبني للمجهول) أوزارها من لا يد له في
وضعها وفرضها على الميدان-المقصود طبعا هنا الأستاذ- فهل كانت هذه
السياسات اصلاحية أم غير ذلك؟ الجواب طبعا نتجرع كأساته الآن.
أما
تعددية الكتاب المدرسي فلسنا ندري حقيقة المراد منها سوى تحقيق الأرباح
المادية سنويا لمنتجيه من وراء تسويقها لشعب يعاني الويلات من تدني القدرة
الشرائية لديه.
فعندما كان الكتاب المدرسي سليما من انفصام الشخصية
انعكس ذلك على شخصية المتعلم وثقافته وبالتالي على مستواه الدراسي حيث كان
يستعد وبكفاءة وروح عالية لاجتياز الامتحان الكتابي والشفوي في الشهادة
الابتدائية أو البروفي او الباكالوريا ويحصل على ميزات الشرف وغيرها
ولكنها كانت ميزات حقيقية لأنها نتجت عن اختبارات حقيقية لا لبس ولا تسرب
يشوبها.
أما معنويات الأستاذ النفسية والاجتماعية وغيرها فحدث عنها
ولا حرج اضافة الى مستواه العالمي -بكسر اللام- حيث كانت الموسوعية
الثقافية من أبرز سماته.
وهناك أيضا الجانب الزمني حيث كان استعمال
الزمن يواكب ايقاع المجتمع المسلم حيث كان يوم الجمعة محترما لدى الصغير
والكبير فتعطل المدرسة استعدادا للتفرغ لمراسيم هذا اليوم الجليل . ليس
فقط من حيث أداء فريضة الجمعة، بل أيضا للترحم على أرواح المتوفين وصلة
الرحم بين أفراد الأسرة والعائلة . وهذا جانب لا يمكن الغفلة عن أهميته
التربوية والدينية. خصوصا أننا نرى انسلاخ شبابنا عن نموذج مجتمعنا وهويته
الدينية والأخلاقية ليضيع وسط خضم من السلبيات المستوردة من حيث اللباس
والحلاقة واللغة والتنكر لهويته الاسلامية دينا والعربية لغة والمغربية
وطنا.
فهل يكفينا للخروج من أزمتنا التعليمية أن نواجهها بمخطط
استعجالي تمت فبركته من دون الرجوع الى الأسباب الحقيقية لها، ومن دون
اشراك فعلي للأطراف الفاعلة حقا والمتجلية في شتى أصناف الشغيلة التعليمية
من أساتذة ومراقبين تربويين وغيرهم من ذوي الخبرة والاطلاع؟
ينبغي
تناول المشكل بجد وعناية فائقين لأن الوقت لم يعد لدينا لكي نضع تجارب
فاشلة منذ البداية.في حين نرى الأمم الأخرى وقد قطعت أشواطا بعيدة في
الرقي بتعليمها وفقا لحاجاتها الداخلية والدولية.