ذاكرة المرأة تختلف عن ذاكرة الرجل بدرجة كبيرة، سواء في بناء الخلايا العصبية أو في فعاليتها كيميائيًا، فذاكرة المرأة أقوى، خاصة الذاكرة طويلة المدى والذاكرة الانفعالية، وهذه حقيقة أكدتها دراسات وأبحاث جادة، ووجد العلماء والأطباء أن منطقة «قرن أمون Hippo Campus» ذات الأثر الحاسم في قدرة تخزين الذاكرة تختلف تشريحيًا عند الجنسين، التصوير باستخدام أشعة الرنين المغناطيسي يظهر أن حجم «قرن أمون» أكبر عند النساء، وسلوك خلاياه مختلف عند الرجال عن السيدات، على الأقل طريقة رد فعلهن على الخبرات التعليمية والضغوط الشديدة، فالمرأة أفضل تأهيلاً للضرر الدماغي، فخلايا «قرن أمون» عندها أكثر حصانة من الرجل، وأقدر على مقاومة الضغوط المزمنة والمدمرة، والهرمونات تلعب في ذلك دورًا كبيرًا.
وقام الأطباء في جامعة ولاية أريزونا Arizona State University بتوسيع الأبحاث بشأن طريقة تعامل المخ مع ضغوط الحياة المدمرة، وكيف يتذكرها، فوجدوا اختلافًا بين الرجال والنساء في الطريقة التي تتم بها عملية تخزين ذكريات الأحداث المثيرة للانفعال ففي عملية معروفة في البحوث على الحيوانات لتنشيط «الأميجدالا» Amygdala، وهو جزء يشبه حبة اللوز من ضمن وظائفه الاستجابة للمعلومات المثيرة للانفعالات، في واحدة من أولى التجارب على الإنسان لقياس ما يتذكره باستخدام التصوير الطبقي لاحظوا أمرًا غير طبيعي، تفعيل الأميجدالا شمل النصف الأيمن من المخ، بينما يشمل البعض الآخر النصف الأيسر، وعندها تحقق العلماء أن التجارب التي عمل بها الأميجدالا الأيمن، شملت الرجال فقط، وتلك التي عمل بها الأميجدالا الأيسر شملت النساء، ومنذ ذلك الحين، أكدت ثلاثة أبحاث أخرى أجريت في جامعة ستانفورد Stanford University هذا الاختلاف في كيفية عمل الذاكرة الانفعالية.
والتحقق من أدمغة الرجال والنساء تعالج المادة المثيرة للانفعالات نفسها بطرق مختلفة، قاد الأطباء إلى التساؤل عما يمكن أن يعنيه ذلك الاختلاف، واتجهوا نحو نظرية عمرها قرن من الزمان تفيد بأن نصف المخ الأيمن يعالج النواحي المركزية من وضع ما، بينما النصف الأيسر يتفاعل مع التفاصيل الدقيقة، إذا كانت هذه الفكرة صحيحة، فإن عقارًا ما قد يخفف نشاط الأميجدالا ويضعف ذاكرة الرجل الانفعالية، وتم إعطاء نوع من العقارات لرجال ونساء قبل أن يعرض عليهم فيلم لحادث مروع حدث لطفل كان يتمشى مع والدته، وبعد أسبوع تم اختبار ذاكرتهم، فأظهرت النتائج أن من الصعب على الرجال تذكر الصورة الكلية أو لب القصة، أما عند النساء، فقد حدث العكس فكان تذكرهن للتفاصيل البسيطة كبيراً.
أبحاث أحدث أكدت استطاعة اكتشاف هذا الاختلاف في الحال حيث أظهر بعض المتطوعين رد فعل في استجابتهم لأمور انفعالية خلال 300 جزء من ميللي ثانية عند مشاهدتهم صورًا مؤلمة عاطفية، ويظهر رد الفعل على شكل نتوء في شريط تسجيل النشاط الكهربائي للمخ، وبالتعاون مع «أنتونيلا جاسباري Antonella Gasban»، وآخرين في جامعة لا أكويلا University of L'Aquila في إيطاليا، وجد العلماء أن هذا النتوء السريع Spire عند الرجال، والمسمى «استجابة P300»، يظهر أضخم حجمًا عند تسجيله من نصف المخ الأيمن عند الرجال، أما عند النساء، فهو أضخم حجمًا، وفي النصف الأيسر من المخ أضخم، ومملوء بالدم والأكسجين بمقدار الضعف عن الرجل، لكن الأهم أنهم وجدوا أن الاتصال العصبي والحوار بين الفصين الأيمن والأيسر أكثر كثافة عند المرأة.
دراسة علمية أخرى أجرتها جامعة ريتشموند تؤكد أن هرمونات الأنوثة والأمومة كالأستروجين والبروجستيرون تنشط ذاكرة المرأة وتساعدها في الوقاية من الزهايمر.