تقييم الكفايات
يقول بييرديشي، بأن عملية تقييم الكفايات تتطلب القيام بخطوتين أساسيتين:
الأولى، اختيار استراتيجية التقييم: و ذلك من خلال ضبط و تدقيق شروط التقييم (عدد التقييمات، فتراتها داخل الدرس، إعداد المتعلمن محتوى التقييم...) من أجل المساعدة و تقييم استقرار إنجازات التلاميذ؛ صياغة فرضيات حول وسائل التقييم؛ اختيار فترات التقييم الخاصة ببداية و نهاية الدرس؛ ضبط و تدقيق المعايير العامة للتقييم بالنسبة لمجموع الدرس؛ اختيار الفترات الاستراتيجية للتقييم التكويني.
و الثانية، فتتعلق بتحديد أداة التقييم و ذلك من خلال: اختيار وضعية مشكل من مجال الوضعيات المشاكل التي تغطيها الكفاية؛ الوصف المختزل لهذه الوضعية مع تأطيرها (الصعوبات، الإطار، مؤشرات، الفاعلون...)؛ التعرف على المعارف الضرورية لمعالجة الوضعية؛ اختيار الوسيلة التقييمية الأكثر صدقا؛ صياغة المهمة التي يبغي أن يقوم بها التلميذ؛ اختيار معايير الإنجاز الملائمة مع مقارنتها مع تلك التي تم الاحتفاظ بها سابقا؛ اختيار سلم تقييم ملائم وفق المعايير، التعرف على نمط الضبط الذاتي الذي ينبغي إعطاؤه للتلميذ؛ التحديد الدقيق لدور التقييم الذاتي داخل مسار تعلم التلميذ؛ استعمال وسائل الصدق الأكثر ملاءمة (ديشي، 1966) أما محمد فاتحي فيقترح أربعة محاور أساسية كإطار مرجعي لتقييم الكفايات و هي كالتالي: أولا، التخطيط لإرساء الأهداف الوظيفية: يتطلب هذا التخطيط لإرساء الأهداف الوظيفية، بخصوص تقييم الكفايات، الاعتماد على صنافة Taxonomie ملائمة لأهم مراحل عملية التدريس و التعلم و الاستراتيجيات المتبعة خلالها، كما أن التخطيط يجعلنا في بداية المرحلة الأولى من إعداد أدوات التقييم التي تستند إلى جدول تخصيص الأهداف الإجرائية المرتبطة بكل كفاية. حيث جداول التخصيص تتكون من مدخلين أساسين: المدخل الأفقي، ويتضمن الكفايات و المهارات أو الأهداف الإجرائية المتفرعة عنها، مرتبة و معنونة حسب الصنافة المعتمدة من قبل المدرس أو الواردة في المناهج و التوجيهات البيداغوجية الرسمية؛ المدخل العمودي: و يتضمن وحدات المضامين الدراسية أو الديداكتيكية التي قد تكون في شكل دروس أو حصص دراسية محددة، و قد يخصص للعمليات الفكرية أو المراحل الأساسية التي يتطلبها إنجاز دراسي تعلمي من نوع خاص. ثانيا، إعداد و صياغة جدول التخصيص Tableau de Spécifique: إذ ينطلق محور إعداد و صياغة أدوات التقييم و جمع المعطيات، بعملية التعريف بالكفاية أو الكفايات المراد تقييمها و تحديد مجالها و مجالاتها الفرعية المستهدفة، ثم القيام بوضع تصور لكيفية تصميم الاختبار الذي سيعتمد في التقييم ليتم تجسيده في جدول التخصيصات. ثالثا، صياغة الأسئلة و بناء الاختبارات:بحيث يجب على الأسئلة أن تستجيب لشروط الصلاحية و الملائمة للكفايات المراد تقييمها، و ذلك من خلال ضمان العلاقة المنطقية وعلاقة المضامين و السياق بين السؤال و الكفاية، و من بين أنماط و أصناف الأسئلة، يقترح فاتحي روائز و أسئلة مؤدية إلى المنتوج، و هي صنفان، صنف يتطلب فيه المنتوج سؤالا قصيرا، كتكميل الجمل أو العبارات و ملء الفراغ... وصنف يتطلب سؤالا طويلا و أسئلة تؤدي إلى منتوجات طويلة تتطلب أحيانا إبداعا شخصيا، ثم هناك أسئلة المبنية على الاختيار Question de Sélection، كأسئلة التمييز بين الصحيح و الخطأ، اختيار من متعدد، أسئلة التزاوج أو المطابقة Question a appariement؛ و هناك أسئلة الإنشاء، التي تتطلب إنتاجات خاصة طويلة و معقدة أحيانا. و رابعا، الإعداد لجمع و مسك المعطيات: حيث إن جمع المعطيات الضرورية لتقييم الكفايات يتم بواسطة أدوات متكاملة يمكن تصنيفها إلى: الروائز و الاختبارات الدراسية التي تختلف من حيث المضمون و الصياغة و الأهداف، و الاستمارات الموجهة للتلاميذ و غيرهم من خلال أسئلة مفتوحة أو مغلقة. (فاتحي 2004).
و دائما في إطار تقييم الكفايات، يقول فليب بيرنو Ph.Perrenoud ، إن أردنا أن تكون المقاربة بالكفايات ناجعة علينا أن نكيف و نضبط البرامج حسب التقييم، و ذلك بكيفية تجعله يهتم مبدئيا و تطبيقيا، بالكفايات. و لكي نقيم الكفايات لا يجب أن نضع أسئلة تهتم بالمعارف، بل يجب خلق مهمة معقدة، و ملاحظة هل يمكن للمتعلم تمثلها و استدخالها و إنجاحها و ذلك بتعبئة معارفه؛ و أن أحسن طريقة للقيام بذلك هي إدماج التقييم في العمل اليومي داخل القسم، و بأن تقييم الكفايات يتم من خلال ملاحظة المتعلمين في وضعية عمل / اشتغال، و إصدار الحكم حول الكفايات و هي في سيرورة البناء و ذلك من خلال أدوات معينة، و لكن دون إرادة القيام بقياس موحد يعمم من خلال إجراءات تقييم المتعلمين دفعة واحدة و في وقت محدد و واحد. كما يؤكد بيرنو على أن تقييم الكفايات يتطلب معرفة خبيرة بعناصر الكفايات و بالمصادر المعبئة و بكيفية انسجامها و اندماجها. و التقييم بالنسبة لبيرنو هو البرنامج الحقيقي، حيث يدلنا على الأهم. و للقيام بتقييم الكفايات يحيلنا بيرنو على مبادئ تقييم الكفايات كما حددها Wiggins و هي كالتالي: التقييم لا يجب أن يشمل سوى مهام سياقية، و يجب أن ينصب على مشاكل معمقة، و يجب أن يساعد المتعلمين على تطوير اكتسابهم للكفايات، و يتطلب التقييم الاستخدام الوظيفي للمعارف الدراسية، و لا يبغي أن يوجد أي ضغط زمني محدد بطيفية تعسفية أثناء تقييم الكفايات، و على المتعلمين أن يعرفوا مسبقا المهمة و متطلباتها و ذلك قبل إجراء عملية التقييم، و التقييم يجب أن يتطلب أشكال التعاون الثنائي، التصحيح يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجيات المعرفية و الميثا ــ معرفية المستعملة من طرف المتعلم، و يجب أن تحتسب في التصحيح، فقط، الأخطاء المهمة في مجال تكوين الكفايات (Perspective Pédagogique) كما يقترح علينا بييرديشي مجموعة من المبادئ تؤطر الخطوات الضرورية لتقييم الكفايات و منها: عملية تقييم الكفاية يجب أن تنصب على حالة بلورة هذه الكفاية خلال الدرس، و أن التقييم يجب أن يختبر درجة إدماج المعارف الضرورية لتفعيل الكفاية من خلال استعمالها في معالجة الوضعيات ــ المشاكل، الكفاية تقيم وقت حل الوضعيات ــ المشكلات الحقيقية و المؤطرة، يتم تقييم قدرة المتعلم على التعرف على الوضعيات ــ المشاكل و نمذجتها و حلها حيث يكون قادرا على القيام بالحل و منذ البداية حتى النهاية، ضرورة معرفة التلاميذ لشروط التقييم و هدفه بعد أن يكونوا قد اختبروه عدة مرات قبل التقييم الختامي، إخبار المتعلم بمواطن قوته و ضعفه خلال و بعد إنجازاته و تمكينه من عدة فرص للتصحيح، عدد و فترات التقييم يحددان وفق التقدم الحاصل في اكتساب الكفاية الذي يرتبط باستراتيجية تقطيع الدرس إلى أجزائه، يجب أن تكون الكفاية قارة من حيث الإنجاز ذلك أن تقييما واحدا ووحيدا لا يكفي كضمانة مؤكدة لاكتساب الكفاية، صدق وسائل التقييم ليكون مزدوجا يجب أن يعكس صدق المحتوى المرتبط بمختلف مكونات الكفاية و صدق احترام خصائص الحقيقة لوضعية التقييم( الإطار، المعايير، الوثائق، المصادر، المعلومات...)، التقييم الذاتي الذي يقوم به المتعلم يساهم في البلورة المستمرة لكفايته، تصاغ المعايير وفق تقييم إدماج مكونات الكفاية و منهجية معالجة الوضعيات و نجاعة الفصل، حيث المعايير تمس في الوقت نفسه سيرورة المعالجة و المنتوج، و أخيرا، ينبغي أن يكون التقييم نشاطا محفزا للتلاميذ ( ديشي....).
و في الأخير، نختم هذه المقاربة لتقييم الكفايات، بمساهمة عبد اللطيف الفاربي في هذا الإطار، الذي يرى بأن أدبيات الكفايات تميل أكثر إلى استخدام وضعيات تقويمية مركبة، نسميها الموضعةMise en situation، و حيث إن هناك ثلاث مكونات لكل وضعية تقييم: سياق المهمة ( زمان، مكان، حدث)، المهمة، و التعليمات. و عناصر تقييم الكفايات يجب أن يكون فيها أداء المتعلم مركبا و إدماجيا، و تحيل على الواقع، و تساعد على استخدام عدة مهارات. و لبناء أداة التقويم، يجب أن نحدد هل سنقوم الأداءات أم القدرات أم الكفايات؟ و لبناء أداة التقويم، يجب على هذه الأداة أن تجعل المتعلم أمام وضعية جديدة و مركبة يوظف فيها تعلمات مختلفة، كي يعالج مشكلا معينا، و هذا لا يمنع من تضمن أداة التقويم مهاما مجزأة مرتبطة بالمهمة الأساسية. و لتقييم الكفايات، يقترح الفرابي أداة اختبارية ذات ثلاثة أبعاد: مهمة أساسية تتطلب تشغيل تعلمات مختلفة؛ مهمات متفرعة عن المهمات الأساسية؛ أداءات أو إنجازات تساعد على أداء المهمات الصغرى. و لكي نحكم على إنجاز التلاميذ هناك ثلاث درجات تعكس التحكم في الكفاية و اكتسابها: الدرجة الأولى تتعلق بالأداءات و الإجراءات الجزئية، و الثانية تهم المهمات الفرعية، و الثالثة تتعلق بحل المشكلة و أداء المهمة المركبة. و هي التي تحدد مدى التحكم في الكفاية و اكتسابها. و لبناء معايير تقييم الكفاية، يقترح الفرابي الإجابة عن الأسئلة التالية: هل هناك نقص في مستوى الأداءات و الإجراءات؟ هل عجز المتعلم على الانتقال من مستوى الأداءات و الإنجازات إلى القدرة على أداء مهمة فرعية عن طريق النقل و التحويل؟ هل رغم القيام بمهمات صغرى ( و فرعية) لا يستطيع المتعلم المزج بين تعلماته لحل مشكل مركب؟ (الفاربي، الصباح).
عن كتاب المفيد في التربية
الكاتب:الصادقي العماري الصديق